مدوّنة الكاتب الكرديّ : عبداللطيف الحسيني .

الثلاثاء، 12 يونيو 2012

محاولة لتجبير " الاسم الكردي الجريح "

محاولة لتجبير " الاسم الكردي الجريح " - كتاب عبداللطيف الحسيني الذي لم يصدر بعد....بقلم نائلة خطيب - دينوكا



ما أعظم ما كتبته هنا يا عبدو...أتذكر درويش حين كتب شتاء ريتا الطويل وقال فيها:كُلَّما عانَقْتُ بُرَجَ العاجِ فرت من يَدَيّ يَمامتان ....وأنا كلما قرأت حروفك وكلماتك أرى كل دموع الدنيا تفر من عينيّ...أنا الضريرة التي تحاول النظر الى الشمس لت...فتح لها عينها، فتراها ترجمها بكل ما اوتيت من عيون، خذي...هذي عين محمد...وهذي عين عيسى....وهذي عين موسى ....وهذي عين أبي وهذي عين أمي وهذي عيون اخوتي واولادي وأهلي الأحياء منهم والأموات، لكنها لا تهتز، فأركض للتاريخ، أنبش المقابر، اقتلع عيون الأموات والأشباح والخفافيش وأرجمها بها، لا تتحرك، هذا ما كان يقوله درويش يا عبدو؟ حاصر حصارك لا مفر واضرب عدوك لا مفر، سقطت ذراعك فلتقطها وسقطت قبلك فالتقطني وارجم عدوك بي؟ نعم يا محمود، عدونا هذي الحقيقة نحن الذين ولدنا عميانا، أتذكر الآن أحد نصوصي، حيث كتبت: هكذا يأخذ الضرير بيد الضرير، ولكن هل فهمني أحد؟ كانوا لا ينظرون الا لصورتي ويجاملونني، تلك الشقراء، لا بد انها مغرية جدا، جسدها: انظروا، كم عين أكلتني يا محمود؟ ولم تطعمني الا الملح المر، لكنك ما لمتني يا عزيزي لأنني وهبتك من عيني مكان عينك التي رجمت بها الشمس، خذ عيني هذه: " أكاد اصير نصب ملح" كم عين تبقى عندك لتعطيني يا صديقي؟ وما الفائدة؟ كل عيون الدنيا لا تكفي لتبكي " الاسم الجريح" ....عبدو؟ : وكأنني ارى نصوصي كلها عيون الآن، " كل شيء فيّ أحرقني" كل عيون الأنبياء سخرت مني يا عبدو؟ ولا يتقدم الأمام الى الي الوراء، ها هو يسوع مصلوبا على الصليب بين لصّين، ويبكي: الهي لم شبقتناي؟ ما كان عليّ ان اقتله العيون الحقيقية لأرجم فيها الشموس الضريرة التي تحرقني؟ هل كان يسوع كافرا ومجرما حين قسم السمكة واطعم جياع الأرض يا أبي؟ ماذا كان جزاؤه؟ الم يوصيكم محمود بقذف عيونه في وجه العمى؟ قل لي يا أبي؟ كم رجاك وبكاك الماغوط وهو يقول: انا لا أنام يا أبي، أعد اليّ دموعي، وحبيبتي التي سرقتها، لم يعد له شيئا، لم يعطيه سوى شاهدة رخامية باردة كتب عليها اسمه الجريح لتشهد على ما تركه من دموع تسكب فيكؤوس العهرة من يبيعون ويشترون بدموعه انسانيتهم ليقتلعوا عين الحقيقة فلا ترى طغيانهم، كم ضحكت عليهم يا ماغوط؟ وما قرؤوك وما فهموك ولكن شبه لهم، كيف يفهمك من ينظر الى الشمس وكأنها شمس، هل الشمس هي الشمس حقا؟ اليست هي الانسان الذي يحترق منذ قرون ويبحث عن محور يدور حوله؟ ذات مرة ترجمت اغنية ليهودية تدعى ريتا، تقول: أنا اعيش من يوم الى يوم، انثر ايامي للريح، الناس يتزوجون حولي، وانا ايضا اريد ان ارتاح، يقولون ان الشمس فوقنا تدور حول محوها فأين هو محوري؟ لست جميلة الى هذا الحد وعمري ليس ستة عشر لكنني اعرف قليلا عن هذا العالم، فلو اعطاني كلمة واحدة لأعطيته كل شيء، هنا يظهر رجلا في محطه قطار نائية، من طلب مني انتظاره في المساء رحل مع اول فجر، قل لي : الشمس تحترق منذ قرون، كم يستطيع الانسان ان يحترق بعد؟ ولأجل ماذا؟؟؟؟؟؟ لست فائقة الجمال ولست ابنة ستة عشر لكنني اعرف قليلا عن هذا العالم، أنا التي سخرت من نفسها اولا لتضحك نفسها، بهلوانة وحيدة على مسرح نفسي، انا الممثلة وانا الجمهور وانا المسؤول عن الاضاءة والصوت والمؤثرات الصوتية جميعا، انا التي تبث وتصور، أنا الآخرين جميعا، أنا الآخر والآخر أنا ونحن الذين ما انتهينا الا لننتهي؟ تبا لي ها انا استعير منك عينيك يا عبداللطيف، عينك هي قلبك اليس كذلك؟ تذكر حين كتبت لك " أقول العين وأعني قلبي" ؟ وذات نص لك كتبت" أعيرها قلبي لأعلمها كيف تحب " وها أنا أعيرك عيني لتراني وأستعير عينيك لاراك وأسمعك وأجلس على قمة نائية وحدي، لأضحك مني ومنك ومن الجميع ....انا التي اقتلعت عين الآخر ورجمتني بها لأضحكه قليلا وما أضحكني غيرك يوما، الى ان وصلت ذلك المشفى، وصلت اليه بعد اتخذت الكون عينا لأرجم بها الكواكب جميعا، لكنها ضحكت عليّ وقالت نامي يا طفلتي، عودي لأن عبدو ينتظرك، تذكر حين قلت لك تعرفت على رجل عجوز يهودي في المشفى؟ موشيه كلاينمن الشاعر المسكين، يسمونه " جوي تسيديك، اي الصادق الصدوق، وقلت لك انه انت يا عبدو؟ كان صديقي جدا جدا، وقال انت الوحيدة التي ساعدتني لأبكي بعد تحجر اربعين عاما في مشفى الامراض العقلية، كان يعشق والده لدرجة الجنون، لكن والده عانى من مرض اليم فكان عليه ان يطلق عليه رصاصة الرحمة فسبب له ذلك صدمة عصبية حجرت كل العالم الذي حوله، وبقي في المشفى، حين وافق الاطباء على عودتي الى الشمال، قال سانتظرك يا " ناي " لا تنسي ابدا، قولي لهم انا صديقة موشية جوي تسيديك، في القسم العاشر من مشفى ميزراع في عكا، انتظري هناك، لنفجر المشفى من الضحك، ستنفجر الكواكب من الضحك يا عبدو؟ أم ستبقى صامته مل ثباتها ودورانها وسقوطها وظهورها وتحولها الدائم ؟ لماذا اخرجوني من المشفى؟ لماذا يا موشيه؟ وهكذا لم تنفجر من الضحك سوى عيناي حتى غرقت في بركة من الضحك وفجأة رأيت يدا الهيا تناولني مبيدا حشريا وتقول رشي في السماء..على الحشرات التي تيرشرش تيولّع.....نظرت الى السماء لم ارى بوضوح، خيّل لي اني رأيت حشرات كثيرة جدا مختلفة الاحجام والأشكال تطير بشكل فوضوي، خيّل لي انها تيرشرش تيولع... بدأت بالرش، اختفت الحشرات لكن بركة الضحكات تحولت الى اسماك ميتة، فجأة أحسست باشمئزاز كبير ورأيتني أتقيأ ثلاث سمكات كبار ميتة، نظرت الى اليمين، اسماك ميتة، نظرت الى اليسار وجدت بلادا مرصوصة بالأسماك الميتة، فتذكرت نصك عن المرايا يا عبّودي، فرايت وراء الاسماك الميتة التي تملأ الطريق الى غابة صنوبر خضراء كأنها بدأت تموت أيضا، غريب أمري يا عبدو صح؟ انها المكسيك يا عبدو؟ لقد وصلت، كم أنت بعيدة أيتها المكسيك، تخيّل لم أشعر بأن عيناي محمرتان وأن الدم يسيل من عيني اليسرى وان نظري كان مشوشا الا حين نبهتني أمي؟ رأيتني أنظر الى المرآة، كيف لا أحس بالألم وكل هذا الحمار في عينيّ؟ وهذا الدم؟ قالت امي: اذهبي الى الطبيب فورا قبل ان يشاهد والدك ذلك ويضربك، كان والدي يضربني حين أمرض أو ابكي، يلعنني ويقول انني السبب، انني اتناول المثلجات سرا، وأبكي دون سبب لأتعبه فقط، لم يصدقني يوما، أراد ان اضحك حتى وهو يضربني، مع انني لم أكن اجد مصروفا لشراء اي مثلجات كي اضحك، كان يريدني ان اكون رجلا وهكذا ربّاني تربية الأولاد، حتى صدقت فعلا انني ولد ولست بنت وانني ولدت كبيرة ولم اولد كبقية الاطفال، كان عليّ ان امشي مثلهم، انظروا هذه ابنته، انها لا تشبه والدها بل جدها، هذه الضابط ابو السبع نجوم، التي لا تضحك بوجه أحد، كان عليّ ان اكون الضابط، الذي لا يخاف من المطر والرعد، وكم امطرت فوقي السماء وكم بللني الرصاص وبيقيت الضابط، لا اخلع نجومي حتى في الحالم خوفا من ابي حتى رأيته في الحلم يقترب مني غاضبا، يود لو يقتلع عيني، كيف تمرضين ايتها الملعونه؟ كيف تبكين سرا وعلانية؟ سترين الآن، لكنني ولأول مرة في حياتي أقول لأبي: لا ....لا بعينك، لتقتلع تلك اللا عينيك فربما ابصرتا شيئا في هذا العالم الضرير....لن اذهب للطبيب يا ابي، أنا التي تقرر اذا كانت عيناي تؤلمني ام لا، اني اراها حمراء وتنزف دما، لكنني لا أشعر بأي ألم الا حين أنظر في المرآة، لذلك تعيش المرآة بين المرآة والعالم يا عبدو؟ يعيش الانسان بين النار والنور، بين الحب والحرب كأنه حسيس .....الم يقل ذلك درويش ايضا؟ الحب كالحرب لا ينام ولا يزول؟ شيء من هذا القبيل؟ أنا أنسى كثيرا يا عبدو ....

ليست هناك تعليقات: