مدوّنة الكاتب الكرديّ : عبداللطيف الحسيني .

السبت، 10 نوفمبر 2012

( فريدة العاطفي)

انا أحب كتابته ولا أخفي ذلك... الإبداع الجميل يستحق أن يعلن الاعجاب به قويا ... إنه صديقي عبد اللطيف الحسيني في كتابه الجديد " ظلال الإسم الجريح" كتاب مفتوح على الغناء للحياة من أوج الخراب والدمار في سوريا... مفتوح على الامل والالم... على الثورة والاستسلام... على التمرد والانكسار...فيه ما يكفي من الشذرة لكي يصل الى الحكمة... وما يكفي من الشعر ليصل الى الغناء. .. وما يكفي من القص ليصل بالحكاية الى سحر خرافة الجدات... " ظلال الإسم الجريح" كتاب يستحق القراءة والحنان و المحبة ... 
هنيئا عبد اللطيف الحسيني

الناشطة منال الحسيني


    • الناشطة منال الحسيني الناطقة باسم
      (Komela Jinên Kurd li Amûdê)\

      أقول لنساء العالم هبْن واتحدن في وجه الطغاة وساندن هذا الشعب اليتيم.
      ==============
      ما هو دورُ المرأة في الثورة السورية ؟
      :تصدرت المرأة المشهد السياسي و الميداني و حسب تقارير المنظمات الحقوقية و الناشطين في الداخل فإن المرأة من أكثر الشرائح المتضررة في الاحتجاجات على خلفية تعرضها للقتل و التعذيب والاغتصاب والاعتقال وخير مثال على ذلك مجموعة من الناشطات اللواتي تعرضن للضغط الشديد من قبل الأجهزة الأمنية (سهير الأت
      اسي ورزان زيتونة وهرفين أوسى) واعتقال المدونة روان غزوان واختطاف الطالبة الجامعية يمان القادري و غيرهن . فبالإضافة إلى أن المرأة تشارك في الاحتجاجات , تلعب أدواراً أخرى فهي أم وأخت وزوجة تشجع الرجل و تدفعه إلى الأمام فكما يقال وراء كل رجل عظيم امرأة . كما أنها تلعب دوراً في مداوة الجرحى و تقديم الطعام وإخفاء الناشطين والدفاع عنهم مثلما فعلت المناضلة زاهدة رشكيلو التي كادت تدفع حياتها ثمناً للدفاع عن رفيقها شهيد الكلمة الحرة مشعل التمو ولا ننسى مشاركة المرأة في السلطة الرابعة لافا خالد وبهية مارديني . .
      - هل ارتقت المرأة الكردية إلى المستوى المطلوب في الحراك السياسي – بمعنى هل بمقدورها العمل إلى جانب الرجل في قيادة هذه الثورة ؟
      :أريد أن أجيب عن هذا السؤال بسؤال هل ارتقى الرجل الكردي إلى المستوى المطلوب في الحراك السياسي
      وهل ارتقت الحركة الكردية إلى المستوى المطلوب في الحراك السياسي وقيادة الثورة ؟
      المرأة الكردية شاركت في الحراك السياسي في الماضي إلى حد ما وتعرضت لجميع الإجراءات التعسفية من اعتقال وضرب وإهانة وتحقيق ونقل تعسفي وحتى استشهاد. لم نر تعاملاً مختلفا معها من قبل الأجهزة الأمنية وبالعكس فأي خطوة كن يقمن بها من أجل تثقيف المرأة الكردية أو توحيدها ضمن إطار فسرعان ما كانت تخبو بسبب الضغط الأمني الكبير عليها لأنهم كانوا يعرفون مدى خطورة تثقيف المرأة فكما يقول الفيلسوف سقراط " إذا ثقفت رجلا فإنك تثقف فردا واحدا , أما إذا ثقفت امرأة فإنك تثقف عائلة بأكملها ".
      ثم جاءت الثورة السورية لتشكل منعطفا في حياة المرأة بشكل عام والمرأة الكردية بشكل خاص والتي رفضت أن تكون إطاراً جميلا لصورة , رفضت أن تشارك فقط هيكلا بل كلمة وفكرا وموقفاً وخير مثال على ذلك مشاركة الناشطة السياسية هرفين أوسى في المظاهرة الأولى أمام وزارة الداخلية للإفراج عن المعتقلين السياسيين فاعتقلت على إثرها في 15-3-2011 . وهناك أسماء كثيرة الآن من النساء اللواتي يشاركن حقيقة في الحراك السياسي ووصلن إلى مستويات مشاركة في الهيئات العليا للمجالس الكردية مثل خلات أحمد ونجاح هوفك ونارين عمر واسماء حاج قاسم ...
      أقول نعم أرتقت المرأة الكردية إلى المستوى المطلوب في الحراك السياسي وقيادة الثورة وأريد أن أقول في هذا الصدد لا ثورة ناجحة دون مشاركة المرأة ولن نواكب ركب الحضارة ما لم تشارك المرأة في مركز صنع القرار.
      ما هي ثمار أنشطة جمعيتكم و هل هناك التجاوب اللازم معكم ؟-
      :ما يروي ظمأنا ويثلج قلوبنا هو استجابة المرأة إلى أي دعوة تقوم بها جمعيتنا فنرى الحضور الكبير والمشاركة الرائعة من جانبها , إضافة إلى استضافة جمعيتنا إلى أي فعالية أو نشاط تقوم بها المنظمات النسوية وغير النسوية في عامودا وغيرها من المدن السورية وتأتينا دعوات لحضور مؤتمرات لتمكين دور المرأة في الداخل والخارج .
      -هل هناك تواصل بينكم وبين المجالس الكردية - أو دعم من جانب الأحزاب الكردية ؟
      :لا ليس هناك تواصل مباشر معهم لأننا لا ننتمي إلى أي منهم فنحن جمعية مستقلة حتى الآن . كان هناك محاولة من جانب مجلس الشعب غربي كردستان للانضمام إلى اتحاد ستار ولكننا رفضنا واقترحنا التنسيق تحت شعاري المنظمتين ولكننا لم نجد رداً حقيقياً من جانبهم . هناك بعض الأحزاب التي تدعمنا وخاصة حزب يكيتي الكردي في سوريا وذلك بتوفير المكان للقيام بنشاطاتنا فخصصت لنا يومين من الأسبوع في منتدى أوركيش وأستغل هذه الفرصة لتقديم الشكر لتعاونهم معنا ودعمهم للمرأة لتفعيل دورها في المجتمع .
      -ما هي رسالتكم إلى نساء العالم و شعوبهم في استمرار النظام السوري في سياساته القمعية ضد شعبه؟
      :أقول لهن يا نساء العالم اتحدن وهبّن في وجه الطغاة أي كان . احتجوا, اعتصموا, تظاهروا, تضامنوا مع أمهات الشهداء, مع المغتصبات, مع المعتقلات, اعتصموا أمام السفارات أمام هيئات الأمم المتحدة وطالبوا بوقف حمام الدم في سوريا وساندوا الشعب السوري في محنته اقتصاديا وإعلاميا و عسكريا.
      حوار: فريدون قجو

الاثنين، 5 نوفمبر 2012

حياة جديدة للكاتب الكردي عبد اللطيف الحسيني .بقلم لطيفة لبصير : كاتبة وباحثة من المغرب .



بقلم لطيفة لبصير : كاتبة وباحثة من المغرب .
لم أستطع أنْ أقرأ هذه النصوص بصمتٍ دونَ أن تعود إليّ أصواتٌ كثيرة نامت بداخلي،وحين ودّعتها سال شيء من الحلق: حريق بعض الكلمات العالقة. إنها نصوص عبد اللطيف الذي تناثرت حروفُ اسمه وتجزأت...فكل مَنْ مرّ بها سرق حرفا فبقي يتيما .لا تمر نصوص الكاتب عبد اللطيف الحسيني على العالم الذي يصرخ بالدم والقبور دون أن تستعين بكل مناهل الفكر والأدب، فهي تعود لابن الفارض وللسهروردي ولمحمود درويش ولابن عبد ربه الأندلسي...وكأنها تستعين بالتاريخ الفكري لتعيد لحم الذات التي انكسرت من الداخل وتبعثرت إلى أشلاء ومزق. إنها تتّمات حداثية للكاتب يسائل فيها الفكر والأوراق والحياة والأشخاص وكأنه يعيدُ مزجَ التاريخ الشخصي بالتاريخ العام، لأنه كلٌّ لا يتجزأ، حيث تتداخل الحياة بالأشخاص من أشخاص قريبين في حياتنا إلى أشخاص يحتلوننا بأوراقهم وفكرهم ويحتلون أرواحنا المشظاة وكأنهم يعملون على رتقها ثم تمزيقها ثم إعادة بث الحياة فيها. إنه الذاك الذي يبتعد عنه ثم الأنا التي تحبُّ الحياة...أحيانا تتحوّل نصوصُ عبد اللطيف إلى همس وتنقلب إلى أسرار ويصير له صوتٌ يحنُّ إلى امرأة ساكنة في جلده تناوشه،  وأحيانا يلعن الزمن ويرتدي قاموس اليأس والحطام وينكفىء إلى القبور ...إنها نصوص حارة... متوثبة... شرسة تهجم على الداخل النائم فينا... تكره الكسل في الحروف والكلمات، تبغض الشح في المشاعر والأحاسيس، تشعل حروبا أخرى غير الحروب التي تعيشها الذاتُ وهي تؤرّخ لزمن عامودا وللمكان الذي يدوّن العشق المذبوح، إنه المبعثر الذي يبحث عنه الكاتب وهو الداخل في الغير وفي الاختلاف الضروري للحياة لا الأحادي الصقيعي البارد منذ زمن، والمستتر خلف علامات لا تعكس الواقع...إنه يدفع بالكاتب إلى أن يوتر كل شيء: جدوى الأدب وصمت الأدباء وانعكاس المرايا التي كان ينادي بها الأدب والتي يقف الآن خلفها مذعنا لصمت عقيم...ولذا يكره عبد اللطيف الطمأنينة الراكدة ويعلن ميلاد تسونامي جديد لحياة جديدة" إنه تسونامي: فلا تغلقوا الأبواب والثغور التي تسوّى بالأرض، جاء تسونامينا عاقلا فكل عقل نبي" نصوصٌ قلقة ولا تتركنا في هدوء تام مع ذواتنا فكأنها تحفر بالقلم  قبرا آخرَ للكلمات ثم تعيد نبش القبر واستخراج الكلمات من الكفن وبعثها من جديد .قرأتُ هذه النصوص بإحساس مزدوج: المتعة الممزوجة بالألم، المتعة لأنني كنتُ أرقصُ على الحروف والكلمات وتلويناتها وهي تلبس سياقها الجديد والمختلف... والألم لأنها جزءٌ من مشهدنا الحقيقيّ في العالم العربي وتردي زمنه، والكاتبُ يوقظ هذا الصمت بهذه الشراسة الملعونة، والرغبة في تغيير الألوان والأشكال الساكنة، فأفسحوا المجال لهذه اللعنة القادمة التي تغرس الأسئلة في ذواتنا...إنها قطعة من الكلام وهو ينسج تاريخا آخرَ من الأسئلة...فتحية للكاتب العميق ولنصوصه التي تكره ركود الأزمنة...وتحية لبذرته الجديدة التي تناوش أغوار عوالمنا الهادئة.


الأربعاء، 8 أغسطس 2012

امرأة تحمل رائحة البيّاضة .


كنتَ تعرفُُها, إنها هي التي سقتك ماءً مثلجاً حين طرقتَ بابها قبلَ عقدين في مدينة حمص وكنتَ تنزفُ عرقاً تموزيّاً , بل دعتك إلى بيتها حين عرفتك غريباً : (غريب الوجه واليد واللسان), وها هي المرأةُ نفسُها تطرق بابكَ وابنُها خلفها يجرجرُ انكسارات مدينة حمص كلها , هي امرأة المعنى وصورةُ الانتهاك والفقر و المجاعة ولوعة الغياب : غياب الزوج و الأخ والأب والجار.ماذا ستقدّم لها وهي التي سقتك زمزماً فيّاضاً وكنتَ بحاجة إلى قطرة ماء (ولو مسمومة)؟
لم تسألْها عن مدينتها , وماذا تفعل هنا في هذا الشمال الشرقيّ البائس والمطعون ؟ ولم تسألها عمّا وعمّنْ أتى بها إلى شمالنا الآمن والمغيّب ؟
تعرفُ تفاصيل تلك المرأة مجازاً وحاضراً وسابقاً , وتعرفُ (فتحة حمص) حين تهبُّ صيفاً وشتاءً ومشاوير الفتيات والنسوة المرحات في شوارع مشجّرة وحدائق غنّاء , هذا ما تعرفُه عن هذه المرأة التي تحمل رائحة مدينتها , وكان يجب أنْ تكون في نفس الشارع و الشجروالحديقة في هذا الوقت بالذات .
لكنْ مَنْ سيعيدُها إلى مهبط روحها ؟ و مَنْ سيعيدُ شهداءها : الزوج والأخ و الأب والجار ؟.
المرأةُ – السوادُ تطرقُ باباً خشبيّاً منهاراً ... فمحلّاً خاوياً ...فشارعاً مزدحماً بالفراغ ...فمدينةً غادرتْها الأرواحُ .
هل تقبلُ امرأةُ السواد منكَ : مرحباً بكِ يا مَنْ دخلتِ ذليلةً , فأقيمي بيننا كريمة المعشر , طيّبة رائحة الشهداء وهي تفورُ من يديك ؟
........
سألتُ الصبيّ الذي يرافقها وهو مهلهلُ الثياب والملامح والروح : من أين أنت ؟ أجابني متقطّعاً ومشتاقاً : ح – م – ص – البياضة . لا أملك يا أيّها الصبيّ النقيّ ويا أمَّه إلا أنْ نقول : فيا ويلتاه علينا يا امرأة أتتنا : غريبة الوجه واليد واللسان .
 

الاثنين، 6 أغسطس 2012

الضجيج .


 الضجيج .

كلٌّ بطريقتِه وعلى طريقتِه ينضحُ بما فيه ويُظهرُ قيحَه وصديدَه وعقمَ سنواته وعقوده التي تراكمَ فوقََها أسخفُ لونٍ وأشرسُه على وجه البسيطة السمح والمبتهج والضحوك , أستدركُ لأعيدَ بالسبب إلى سنوات القحط والمجاعة الفكريّة والسياسيّة , اليساريُّ – مثالا – يتحدّث ويطبّق متبجّحاً كلَّ أفكار اليمينيّ بدرايةٍ منه أو بدونها , واليمينيُّ الذي تفوحُ منه روائحُ الاشمئزاز والعفونة يبتسم في وجه كلّ مُصادِفٍ , وكأنّ شيئاً لم يكن !, والآخرُ الذي يسمعُه يصدّقُ بسمتَه المطعونة وروائحَه الفاجرة, وربّما يتبرّك بتلك الروائح التي أُشبّهُها مؤقّتاً بجثة خنزير أتتْ عليها كلُّ ديدان النفايات .
فيا مرحباً بهذا الضجيج !, مرحباً به , فقط لأنّه أزالَ جميعَ الأقنعة , خصوصاً تلك الأقنعة التي سرقتْ واستفادتْ وانتفعتْ ومارستْ كلّ أنواع الموبقات , لا الدينيّة(التي لا تعنيني) بل الفكريّة والثقافيّة والاجتماعيّة , نفسُ الأقنعة وجدتْ في هذا الفَلَتَان ضالّتَها , فما عليها إلا أنْ تضربَ أخماسَ الربح الماديّ بأسداسه أو مِئَاته بآلافه دونَ أنْ يردعَه شيءٌ , اسمُه الضميرُ المرُّ – المريضُ أو ينتقدَه ضميرُ أحدٍ ما من زملائه الذين تمَّ تبادلُ عسل ابتذال الكلمات بصفاقةٍ فيما بينهم دونَ أنْ يحسَّ ماءُ حياء الوجه , هذا إذا كانَ ثمة ماءٌ أو حياءٌ في الوجه !
لا أقراُ في هذا الضجيج ,ولا أتساءلَ مثل المعرّيّ
: (ما الصحيحُ) ؟
  لا أقرأُ في هذا الضجيج إلا داءً نفسيّاً لا يمكنُ معالجتُه أو تمكينُ حلول له إلا بعدَ أنْ يغرقَ ويجرف الجميع ويذوّب جمع الجموع في ركبه العفِن الفيّاض , لأنّنا عطّلنا نبيّ العقل وجوهره ورميناه إلى أبعد ركنٍ مهمَل وكأنّه ألدُّ الأعداء , وعوّضناه بالمظاهروالشهوات والشطحات.
حينها – انتبهوا من فضلكم – حينها سنعضُّ على أصابعنا ندماً حينَ لا ينفعُ ندمٌ مؤجّلٌ , أواعتذارٌ معجّل .
حاملُ الأمانة :عبداللطيف الحسيني .

الأحد، 29 يوليو 2012

جنكو .


جنكو .
عبداللطيف الحسيني .
ج – ن - ك  - و : هو اسمُه لفظتُه وألفظُهُ منذ أكثرَ من ثلاثين عاماً , هذا يعني أنّه رافقني طَوَال المدّة اللونيّة – الكتابيّة – القرائِيّة تلك دونَ أنْ أفقدَه , هو الملازِمُ ريشتَه وأنا المتأبّطُ كتابي سائِحَين فضاءَ الحياة الشاسع حيث كلُّ المواضيع مباحةٌ و متاحة للرسم والكتابة, وعلى غير وجهةٍ يختارُنا مكانٌ معادٍ أو أليف أوهندسيّ لنمارسَ فيه شطباً وتجميلاً وتغييراً, ذاك أفضلُ عَالَمٍ يقبلُ أنْ نغيّرَه و نبدّلَ كلَّ كائناته ونعوّضَه بالشعر واللون والحكايات بعدَما كانَ يضجُّ بالفراغ والسكون , ذاك مكانٌ باهتٌ يوجعُ القلبَ و العينين قبلَ مكوثنا فيه , ويخضّرُ المكانُ نفسُه بعدَ وداعنا له حين نخطفُ بأبصارنا خلفَنا لنرى هل سرقتْ فوضى المكان منّا شيئاً : قلماً أو ريشةً أوعلبة الدخان ؟
هذا ما أتذكّرُه قبلَ عشر سنوات .
عشرُ سنواتٍ تمرُّ , وتمرُّ الصداقاتُ بصفحة أصدقائي الذين يقلّصُهم فضاءُ المكان أو أنّ السنوات تبتلعُ صفاءً أو نقاءً كانَ فيهم .
عشرُ سنوات تمرُّ والمكانُ الفسيح –كان فسيحاً- يتآكلُ ويتقلّصُ و مِنْ ثَمَّ : ي ت ب خّ ر .
و تتبخّر معَه الخضرةُ وطيبةُ المكان مع أهله حتّى باتَ شأنُ المرء أشبهَ بالوقوف على الأطلال لاعناً وشاتماً كلَّ العقود التي مرّتْ , - وتجاوزاً – كلَّ العقود التي ستأتي .
هكذا أفهمُ جنكو الذي ألتقيه لأسألَه:
-        كم لوحةً أنجزتَ ؟ .
-        و ليسألني ماذا كتبتَ ؟ .

الأربعاء، 11 يوليو 2012

الغريب .


الغريب .

هذا ليسَ أنا , بل عتماتُ حياتي جمهرَكم حولي لأقفَ خطيباً عليكم معتلياً دكّةً ترابيةًّ , مهلهلَ الثياب والقول والملامح , مُتلعثماً لا يدري ما يتفوّهُ به , غيرَ أنّه يظنُّ بأنّ السماءَ ستنخفضُ لأقواله , والأرض ستزلزلُ بواطنَها , أوأنّ الأرضَ ستحتلُّ السماء الأولى ليبقى هذا الواقفُ وحدَه يسردُ حكايتَه لفراغ جهات الأرض كلها :
-        أعدْ لطفولتي نبضَها وكلَّ دُماها المذهّبة كتلك التي رأيتُها لابن جارنا أو كتلك التي رأيتُها في كتبي المدرسّة , وكانت يدي تلعبُ بها قبلَ عيني , ذاك الطفل الذي كنتُه تُطرَدُ عينُه و تُلصقُ به البذاءَةُ و يُشتم شكلُه وطريقةُ مشيه , يُعَاب عليه حين يأكلُ أوحين يجوع أوحين ينام جائعاً أو حين يغسل وجهه في الصباح أو لم يغسلْه , ما على ذاك الطفل الذي كنتُه إلا أنْ يغتسلَ بدمعه الفيّاض , لكنّه يُشتمُ حتى بدمعه , إنْ قالتْه عينُه المُرقرقةُ دمعاً أحمر .!
 أيّةُ يدٍ لم تصفعْه , فلتتقدّمْ إليه لتجدَ أمامَها وجهاً ملطّخاً بكلّ ذكرياته المريرة ؟  
ذاك الطفلُ الذي كنتُه كيفَ دَفَنَ طفولتَه الميّتةَ ؟ كيفَ دفن طفلٌ ميّتٌ طفولتَه الميّتة .؟
-        أعدْ لشبابي مراهقتَه وشهوةَ حياة الدنيا لأجعلَ من الأرض التي يمشي عليها السفهاءُ مَرَحاً .. جنّةً , ومن سخف القول غابةً من البسمات .
أعدْ إليّ شبابي كي ألبسَ ثوباً مشجّراً وأضعَ في عنقي سلسلةً مذهّبةً و أنقش على زنديّ وشومَ الحبّ و قلباً يخترقُه سهمٌ أسود , وأنتعلَ حذاءً مطاطيّاً وأقف في زاوية الشارع لأصفّرَ لكلّ فتاة ذاهبة أو قادمة , أوألوّح لها بمنديل أحمر معطّر أوأرسل لها قبلة على الهواء بميوعة .
أعدْ إليّ شبابي كي أدفنَ بقايا حياتي الكهلة قبلَ أنْ أتوكّأ على عصايَ وترتجف يدي ويغطّي عينيّ العماءُ, قبلَ أنْ يناولني حفيدي علبةَ الأدوية مُمتعضاً من بؤس حالي وسعالي , وقبل أنْ تناديني نفسُ الزاوية التي طُردتُ منها في الطفولة والشباب , وأقبع فيها مُنادياً كلَّ مَنْ يمرّ بي ولأترجّاه كي يدفنني دون ندم .

الأربعاء، 4 يوليو 2012

الجلوسُ على حافة الحياة ليلاً .


عبداللطيف الحسيني . 

إلى جيان حج يوسف .
تكذبُ يدي ما تراه عيني .
أنْ تتعرّفَ على امرأة النشيد واللون المتعدّد في شارع هادر 




و كأنّ الصرخة هذه هي الأولى في عالم الحياة التي أقفُ ووقفتُ صائِتاً ومصوّتاً وكلّي أفواهٌ يسمعُها دبيبُ نمل على الحصيرة , لكنْ أصوّتُ على مَنْ ؟ و بأيّ شيءٍ ؟ و هل بقيَ صوتٌ في الكائن أو صرخةٌ إلا وقد فجّرها في وجه الحياة ؟
هي الحياةُ وحدَها المحكمةُ العليا للذات .
ذاك أنا , أستدرجُ كلَّ صفة وأحوّلُها وألصقُها على ذات الكائن الذي يركلُ العالمَ من الخلف دونَ أنْ يرفَّ له عَصَبٌ حيٌّ أو ميّت , يقرعُ أبوابَ العالم بكلّ أياديه منذ دهر , ويصيحُ بكل أفواهه على مَنْ دخلَ العالمَ من أبوابه الضيّقة قبلَ الواسعة , ومن جدرانه الواطِئة قبلَ العالية التي يدخلُها مَنْ يشاء بقفزة وهومغسولُ العين وممدودُ اليد واللسان و القلب والوجه.
و لا أدري كيف سيقفُ المرءُ المبتذل أمامَ ذاتِه و لعناتُ يدِه ولسانه ووجهه تسبقُ ظلَّه ؟.
في خطوةٍ مستجدّةٍ تستبدُّ وتحتلُّ النشوةُ و السَّكَرُ الروحيُّ الكائنَ النحيفَ  بعدَ أنْ عادَ من حرب الكلمات منتصراً أو مهزوماً ليجلسَ على حافّة الحياة ليلاً , شاتماً كلَّ داخلٍ و خارج إلى ومِنْ حارتِه , ليبدأَ بحرب السخريات المريرة والمُرّة من حيث انتهى من صخب الكلمات .
أنْ تختلفَ معَ الآخر وتعيدَ إلى الحياة كلَّ ألوانها المغتصَبة : هكذا أفهمُ الحياة الجديدة .
أنْ تتعرّفَ على شابّ يعرفُ أدقَّ تفاصيل حياتك محلِّلاً سكنات ملامحِكَ قبلَ حركاتها : هكذا أريدُ من الشباب أنْ يكون .
أنْ تتعرّفَ على امرأة النشيد واللون المتعدّد في شارع هادر , فتلوّحُ لها بيديكَ من بعيد وهي تنشدُ نشيداً أثيراً يجمعُنا : هكذا أفهمُ المرأةَ التي تهزُّ العالمَ .
...
 هكذا أحسُّ بما حولي , وكأنّي أراهُ للمرّة الأولى في حياتي , فلا أصدّقُ ما أراه : تكذّبُ يدي ما تراه عيني , تتقرّى يدي ما تعانقُه عيني , فيغمرُني نشيدُ الحياة الملوّن , فأركنُ بجسدي محاذاةَ صديقٍ لنركلَ العالمَ من الخلف .