هي واحدة من بين كل متعدد الأوجه، مبدعة احترفت الحرف منذ زمن، وعبره قالت الرغبة و الـ «ضفائر» و«أخاف من...»، آخر أعمالها. ورغم انشغالها الأكاديمي والمهني بجامعة الحسن الثاني بالبيضاء فقد انتمت عبر كتاباتها المتعددة الضمائر إلى جيل مبدعات تمردن على ضيق الإطارات الجاهزة التي يرغب الآخرون أن يأسروا بها تدفق الإبداع، في جرأة محببة أسقطت كل الأقنعة وأعلت شعار كتابة حرة غير مقيدة، وفي انتظار «عناق» ـها، مجموعتها القصصية الجديدة، كان لقاؤنا التالي.
ما الذي شكل الصورة القصصية الأولى لدى لطيفة لبصير؟
كنت في بداياتي أكتب نصوصا مفتوحة، وكانت لدي رغبة في كتابة الشعر أكثر من النثر، ولكني شيئا فشيئا وجدت أن مساحات السرد تهيمن على نفسي الشعري، وكنت أحس أنني أرغب في الجملة القصصية أكثر من الجملة الشعرية. رغم أنني حينما بدأت أكتب نصوصا مفتوحة وجدت أنها منفتحة على أجناس متعددة، إلى أن بدأت تتشكل شيئا فشيئا وصارت نفسا قصصيا، وبدأت أفهم أنه ينبغي أن أدخل ضمن هذا الجنس الإبداعي الذي يمكن أن نقول أنه مهمل تقريبا في كثير من الأحيان ومظلوم من الناحية النظرية، لأن النظريات الأدبية تهتم بالرواية أكثر مما تهتم بالقصة. وحين بدأت أكتب القصة وجدت أنني أرغب أن أنقل إليها العديد من التفاصيل الصغرى؛ أي أن لا أكتب المواضيع الكبرى والتيمات الكبرى المهيمنة، لأنها لا تهمني، لأن القصة ينبغي أن تكون نوعا من الالتقاط للتفاصيل التي لا تبدو ولا تظهر في الحياة اليومية، أي تلك التي يمكن أن تشكل إضافة للكتابة.
وهل كان للذاكرة نصيب في هذا التوجه؟ أقصد ذاكرتك الخاصة؟
يمكن القول أن الذاكرة بالنسبة لي نوع من التخزين والتقاط مجموعة من التفاصيل في حياتنا اليومية؛ فذاكرتي هي الزمن الماضي ولكن ليس بالضرورة أن أكتب ذلك الزمن كما هو، لأنني حين أكتب فإنني أكتب بضمائر، وهذه الضمائر لا تعود علي بالضرورة، لأن الضمير عندي، سواء ضمير المتكلم أو الغائب أو المخاطب، لحظة سردية ليس إلا... لأن المتكلم في نصوصي هو تخييل بالدرجة الأولى، فذلك المتكلم يتخيل وينسج عوالم لا علاقة لها بالواقع، ولذلك فإن الميثاق السردي لدي، حين أضع نصوصا قصصية، هو أنني منذ البداية أتعاقد مع القارئ على أن ما سأكتبه هو من قبيل التخييل ومن قبيل النسج... فأنا أنسج نصوصا تمتح وجودها من الواقع اليومي، ولكن لها علاقة باللحظة الإبداعية واللحظة السردية، ولا علاقة لها بالواقع كما هو. لأن الواقع يتعبني، ولا أريد أن أكتبه كما هو، بل أريد أن أغيره شيئا فشيئا. وحسبما يقول نيتشه؛ أنه لولا الخيال لمتنا من الواقع. فالخيال جزء من الإضافة وجزء من الابتكار والإبداع والإلهام في حياتنا اليومية.
أي أن الإبداع يجمل نوعا ما صورة الواقع...
فكرة الجمال أو القبح لدي هي فكرة تخضع للكتابة في حد ذاتها. فالنص الإبداعي بالنسبة إلي يمكن أن يكتب عن أشياء قذرة، وتلك القذارة حين تدخل إلى الأدب فهي تصبح انتماء له، فالأدب لا يحتمل الجمال أو القبح. فالجمال فيه ليس جمال الصورة والشكل أو الأشكال الجمالية للأشخاص الذين نكتب عنهم، ولكنه جمال يخاطب قارئا آخر، لأنه يحاول أن يوجه ويؤثر ويضغط على أصابع قارئ مفترض. ولذلك حين أكتب، فإنني أكتب خارج ثنائية الجمال والقبح. لأن الجمال بالنسبة إلي نسبي في كثير من الأحيان. ولذلك وحينما نتذكر مثلا كيف كتب أمبيرتو إيكو عن الجمال، نجد بأنه لم ير الجمال في الجسد فقط، فكم من جسد جميل وليس فيه أي نظرة حانية، وكم من جسد قبيح في المنظر يمنح نظرات حانية... فتلك النظرات الحانية وتلك الالتقاطات هي ما يهم الأدب. لأن هذا الأخير ليس مهتما بالجميل فقط، فالجمال بالنسبة له هو الجمال الذي يخلقه كأدب، والذي يمكن أن يضيفه إلى الأشخاص. فهناك شخصيات باردة ومقززة في الواقع ولكنها حين تدخل إلى الأدب يصبح لها جمال خاص بها، لأن الأدب يجملها، ليس على مستوى الشكل ولكن على مستوى الروح، كما يمنحها روحا إضافية. ولذلك كثيرا ما نجد أن الجمال حين ينتقل إلى الأدب فهو لا يضيف إليه شيئا، في حين أن القبح أو الفقر أو التقزز أو النقص في الشخصية، أشياء في حاجة إلى إضافة. فالأدب إذن يضيف إلى تلك الكائنات الناقصة والقبيحة أشياء من عنده. فالقبح هو في حاجة إلى إضافة، وإلى كل ما ينقصنا في الحياة اليومية.
ألم تشعري يوما بضيق مجال القصة القصيرة لمصلحة الرواية؟
القصة كجنس أدبي يختلف عن العالم الروائي، لأنك حينما تكتب القصة فكأنك تكبح جماح مجموعة من الأشخاص داخل غرفة واحدة. وتحد من زوائدهم كما تحد من إمكانية فيضهم خارج مجال تلك الغرفة. أي أن لهم امتداد ولكنه قصير الأمد. ولذلك فإن القصة كجنس أدبي تقلص من حجم امتدادهم في الزمن والمكان وأيضا على مستوى اللغة والأشخاص. بينما الرواية عالم آخر مختلف تماما. وأنا بصدد كتابة نص روائي قريب من الانتهاء، وفيه اكتشفت أن الكتابة الروائية مختلفة عن الكتابة القصصية، لأن فضاءها فضاء ممتد، ثم أن شخوصها هم شخوص يتنافرون، وفي كل مرة يمكنهم أن يفرضوا على الكاتب إيقاعا جديدا في الكتابة، ثم إن الرواية تتطور بشكل غير التطور القصصي. بينما النص القصصي نص يحذف أكثر مما يقول، ويقول الكثير من الأشياء بأقل الجمل والكلمات، كما يحاول ما أمكن أن يقلص نوعية الموضوع. وشخصيا أحاول أن ألتقط بعض التفاصيل وأكتب عنها.
في علاقة المرأة مع اللغة كيف تداعب لطيفة لبصير اللغة، دون السقوط في ثنائية الذكر والأنثى وما تخلقه من مفارقات؟
شكرا على هذا السؤال، فقد اشتغلت كثيرا على هذا الموضوع، أولا في بحثي في دكتوراه الدولة حول السيرة الذاتية النسائية، حيث تساءلت هل هناك لغة خاصة تتعامل معها الأنثى؟ ووجدت في إحدى الإحصائيات أن المرأة تهذب اللغة بشكل ما وتنقيها من كل كلمات «الشارع»، وتقدم للقارئ لغة صافية ونقية، ووجدت أيضا أن المرأة تستعمل اللغة بشكل يختلف على المستوى النفسي، بحيث أن الأنا الأعلى لديها أكبر من الرجل، وتلك الأنا الأعلى تضغط على أصابعها وتحدد نوعية تعاملها مع العديد من التيمات المختلفة. ولكن في الآونة الأخيرة وجدنا أن هناك نصوصا بدأت تتجاوز هذه الثنائية؛ أي ثنائية الكتابة الرجولية أو الكتابة النسائية، لأن المشاعر الإنسانية مشاعر عامة وغير قابلة للتجزئة أو التقسيم. أما فيما يخصني، فأنا أكتب بضميرين مختلفين، ضمير المؤنث وضمير المذكر، ولدي شخصيات تتكلم بضمير المتكلم الذكوري، كما لدي أخرى تتكلم بضمير المتكلم الأنثوي، وهذا لأنه بداخلي لا تحضرني هذه الثنائية في الكتابة، فقد سبق لي وأن كتبت المجموعة القصصية «ضفائر»، وهي كلها نصوص قصصية أنثوية كانت تحمل أسماء نسائية، مكتوبة بضمائر أنثوية، ولكن في العمق لم يكن الغرض منها أن أكتب من أجل امرأة تريد الصراع ضد الرجل، فأنا لا أومن بهذه الفكرة بل بأخرى، وهي أنني أكتب لكي أحول وجهة نظر القارئ حول هذه المرأة، لأن المرأة في المجتمعات العربية هي امرأة لها معاناة متكررة تهم العديد من المواضيع؛ القهر الجنسي، العنف، العنوسة، شيخوختها المبكرة من وجهة نظر الرجال، علاقتها بالزمن... وهذه كلها أفكار تضجرني، ولذلك فأنا أكتب عنها، ولكني لا أكتب ضد ذات أخرى والتي هي ذات الرجل، لأنه لا وجود لذات دون الذات الأخرى
ما الذي شكل الصورة القصصية الأولى لدى لطيفة لبصير؟
كنت في بداياتي أكتب نصوصا مفتوحة، وكانت لدي رغبة في كتابة الشعر أكثر من النثر، ولكني شيئا فشيئا وجدت أن مساحات السرد تهيمن على نفسي الشعري، وكنت أحس أنني أرغب في الجملة القصصية أكثر من الجملة الشعرية. رغم أنني حينما بدأت أكتب نصوصا مفتوحة وجدت أنها منفتحة على أجناس متعددة، إلى أن بدأت تتشكل شيئا فشيئا وصارت نفسا قصصيا، وبدأت أفهم أنه ينبغي أن أدخل ضمن هذا الجنس الإبداعي الذي يمكن أن نقول أنه مهمل تقريبا في كثير من الأحيان ومظلوم من الناحية النظرية، لأن النظريات الأدبية تهتم بالرواية أكثر مما تهتم بالقصة. وحين بدأت أكتب القصة وجدت أنني أرغب أن أنقل إليها العديد من التفاصيل الصغرى؛ أي أن لا أكتب المواضيع الكبرى والتيمات الكبرى المهيمنة، لأنها لا تهمني، لأن القصة ينبغي أن تكون نوعا من الالتقاط للتفاصيل التي لا تبدو ولا تظهر في الحياة اليومية، أي تلك التي يمكن أن تشكل إضافة للكتابة.
وهل كان للذاكرة نصيب في هذا التوجه؟ أقصد ذاكرتك الخاصة؟
يمكن القول أن الذاكرة بالنسبة لي نوع من التخزين والتقاط مجموعة من التفاصيل في حياتنا اليومية؛ فذاكرتي هي الزمن الماضي ولكن ليس بالضرورة أن أكتب ذلك الزمن كما هو، لأنني حين أكتب فإنني أكتب بضمائر، وهذه الضمائر لا تعود علي بالضرورة، لأن الضمير عندي، سواء ضمير المتكلم أو الغائب أو المخاطب، لحظة سردية ليس إلا... لأن المتكلم في نصوصي هو تخييل بالدرجة الأولى، فذلك المتكلم يتخيل وينسج عوالم لا علاقة لها بالواقع، ولذلك فإن الميثاق السردي لدي، حين أضع نصوصا قصصية، هو أنني منذ البداية أتعاقد مع القارئ على أن ما سأكتبه هو من قبيل التخييل ومن قبيل النسج... فأنا أنسج نصوصا تمتح وجودها من الواقع اليومي، ولكن لها علاقة باللحظة الإبداعية واللحظة السردية، ولا علاقة لها بالواقع كما هو. لأن الواقع يتعبني، ولا أريد أن أكتبه كما هو، بل أريد أن أغيره شيئا فشيئا. وحسبما يقول نيتشه؛ أنه لولا الخيال لمتنا من الواقع. فالخيال جزء من الإضافة وجزء من الابتكار والإبداع والإلهام في حياتنا اليومية.
أي أن الإبداع يجمل نوعا ما صورة الواقع...
فكرة الجمال أو القبح لدي هي فكرة تخضع للكتابة في حد ذاتها. فالنص الإبداعي بالنسبة إلي يمكن أن يكتب عن أشياء قذرة، وتلك القذارة حين تدخل إلى الأدب فهي تصبح انتماء له، فالأدب لا يحتمل الجمال أو القبح. فالجمال فيه ليس جمال الصورة والشكل أو الأشكال الجمالية للأشخاص الذين نكتب عنهم، ولكنه جمال يخاطب قارئا آخر، لأنه يحاول أن يوجه ويؤثر ويضغط على أصابع قارئ مفترض. ولذلك حين أكتب، فإنني أكتب خارج ثنائية الجمال والقبح. لأن الجمال بالنسبة إلي نسبي في كثير من الأحيان. ولذلك وحينما نتذكر مثلا كيف كتب أمبيرتو إيكو عن الجمال، نجد بأنه لم ير الجمال في الجسد فقط، فكم من جسد جميل وليس فيه أي نظرة حانية، وكم من جسد قبيح في المنظر يمنح نظرات حانية... فتلك النظرات الحانية وتلك الالتقاطات هي ما يهم الأدب. لأن هذا الأخير ليس مهتما بالجميل فقط، فالجمال بالنسبة له هو الجمال الذي يخلقه كأدب، والذي يمكن أن يضيفه إلى الأشخاص. فهناك شخصيات باردة ومقززة في الواقع ولكنها حين تدخل إلى الأدب يصبح لها جمال خاص بها، لأن الأدب يجملها، ليس على مستوى الشكل ولكن على مستوى الروح، كما يمنحها روحا إضافية. ولذلك كثيرا ما نجد أن الجمال حين ينتقل إلى الأدب فهو لا يضيف إليه شيئا، في حين أن القبح أو الفقر أو التقزز أو النقص في الشخصية، أشياء في حاجة إلى إضافة. فالأدب إذن يضيف إلى تلك الكائنات الناقصة والقبيحة أشياء من عنده. فالقبح هو في حاجة إلى إضافة، وإلى كل ما ينقصنا في الحياة اليومية.
ألم تشعري يوما بضيق مجال القصة القصيرة لمصلحة الرواية؟
القصة كجنس أدبي يختلف عن العالم الروائي، لأنك حينما تكتب القصة فكأنك تكبح جماح مجموعة من الأشخاص داخل غرفة واحدة. وتحد من زوائدهم كما تحد من إمكانية فيضهم خارج مجال تلك الغرفة. أي أن لهم امتداد ولكنه قصير الأمد. ولذلك فإن القصة كجنس أدبي تقلص من حجم امتدادهم في الزمن والمكان وأيضا على مستوى اللغة والأشخاص. بينما الرواية عالم آخر مختلف تماما. وأنا بصدد كتابة نص روائي قريب من الانتهاء، وفيه اكتشفت أن الكتابة الروائية مختلفة عن الكتابة القصصية، لأن فضاءها فضاء ممتد، ثم أن شخوصها هم شخوص يتنافرون، وفي كل مرة يمكنهم أن يفرضوا على الكاتب إيقاعا جديدا في الكتابة، ثم إن الرواية تتطور بشكل غير التطور القصصي. بينما النص القصصي نص يحذف أكثر مما يقول، ويقول الكثير من الأشياء بأقل الجمل والكلمات، كما يحاول ما أمكن أن يقلص نوعية الموضوع. وشخصيا أحاول أن ألتقط بعض التفاصيل وأكتب عنها.
في علاقة المرأة مع اللغة كيف تداعب لطيفة لبصير اللغة، دون السقوط في ثنائية الذكر والأنثى وما تخلقه من مفارقات؟
شكرا على هذا السؤال، فقد اشتغلت كثيرا على هذا الموضوع، أولا في بحثي في دكتوراه الدولة حول السيرة الذاتية النسائية، حيث تساءلت هل هناك لغة خاصة تتعامل معها الأنثى؟ ووجدت في إحدى الإحصائيات أن المرأة تهذب اللغة بشكل ما وتنقيها من كل كلمات «الشارع»، وتقدم للقارئ لغة صافية ونقية، ووجدت أيضا أن المرأة تستعمل اللغة بشكل يختلف على المستوى النفسي، بحيث أن الأنا الأعلى لديها أكبر من الرجل، وتلك الأنا الأعلى تضغط على أصابعها وتحدد نوعية تعاملها مع العديد من التيمات المختلفة. ولكن في الآونة الأخيرة وجدنا أن هناك نصوصا بدأت تتجاوز هذه الثنائية؛ أي ثنائية الكتابة الرجولية أو الكتابة النسائية، لأن المشاعر الإنسانية مشاعر عامة وغير قابلة للتجزئة أو التقسيم. أما فيما يخصني، فأنا أكتب بضميرين مختلفين، ضمير المؤنث وضمير المذكر، ولدي شخصيات تتكلم بضمير المتكلم الذكوري، كما لدي أخرى تتكلم بضمير المتكلم الأنثوي، وهذا لأنه بداخلي لا تحضرني هذه الثنائية في الكتابة، فقد سبق لي وأن كتبت المجموعة القصصية «ضفائر»، وهي كلها نصوص قصصية أنثوية كانت تحمل أسماء نسائية، مكتوبة بضمائر أنثوية، ولكن في العمق لم يكن الغرض منها أن أكتب من أجل امرأة تريد الصراع ضد الرجل، فأنا لا أومن بهذه الفكرة بل بأخرى، وهي أنني أكتب لكي أحول وجهة نظر القارئ حول هذه المرأة، لأن المرأة في المجتمعات العربية هي امرأة لها معاناة متكررة تهم العديد من المواضيع؛ القهر الجنسي، العنف، العنوسة، شيخوختها المبكرة من وجهة نظر الرجال، علاقتها بالزمن... وهذه كلها أفكار تضجرني، ولذلك فأنا أكتب عنها، ولكني لا أكتب ضد ذات أخرى والتي هي ذات الرجل، لأنه لا وجود لذات دون الذات الأخرى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق