الشاعرُ في المسرح .
عبداللطيف الحسيني .
تنويه :( كلمة أُلقيتْ بمناسبة اليوم العالميّ للمسرح
أمام عدد من الطلاب بمختلف الاختصاصات)
عمتم مساءً .
أنا "الشاعرُ في المسرح" ولن أفيدَكم بشيءٍ إن
تحدّثتُ عن المسرح الذي غابَ عن مدينتي
منذ عقود . بل أفيدُكم بأنّ مدينتي لا تعرفُ المسرح منذ نشأتها , هذا إذا استثنيتُ
بعضَ الفِرَق التي كانت تعملُ بجهودٍ ضئيلة وبعيدةٍ عن تكنيك المسرح وفنّ تدريب
الممثل , ولا أستطيع أنْ أحسبَ تلك الفرق نواةً لمسرح راهن أو قادم .
هل تقبلون رأيي
الذي ربّما تجدونه متطرّفاً ؟, لكنْ لو عاينتم وقمتم بمسح عمّا أقولُه لوجدتموه
صائباً , لن أبخلَ عليكم ثانياً أنّ أيّة مدينةٍ تخلو من المسرح لهي مدينة تفتقدُ
وتفتقرُ إلى عصب الحياة ونشوتها , وهذا
العصبُ ميّتٌ أو مُشوّه , ولن أبخلَ عليكم أوّلاً : إن أية مدينة تخلو من المسرح
لا تغدو ولا تُسمّى مدينة , أعيدُ أسبابَ غياب المسرح عنّا أوعدم تأسيسه إلى عقود
اضمحلال وتفتيت كلِّ شيء , وهو اضمحلال وتفتيت مقصود وممنهج ومبرمج ليكون المرءُ
عندنا امرأ غادره الودُّ والنبضُ واشتياقُ الحياة , ويحتلّ مكانَه شحوبُ وفجاجة
وقساوة الكلمات والتعامل والسلوك .
أعلمُ أنكم تقرأون كلامي بكلّ أوجه التشاؤم و السوداويّة
, فمرحباً بهما إن كانتا سبباً لبدء كلّ شيءٍ من جديد ولدرء إعادة ما كان , ربما
أدركُ قبلَكم صعوبةَ وربّما غرابة أنْ نبدأ الحياة من جديد , الأمرُ سهلٌ ,
فساعدوني من فضلكم :
أنْ تتشكلَ لجنة خبيرة لانتقاء بعض الذين يملكون حسّاً
تمثيلياً ,وهذا لا يكفي كخطوة أولى إلا إذا تبعتها خطواتٌ لاحقة وهي بالتتالي –
كما أرى- أنْ يتمّ تدريبُهم على خشبة المسرح ومراقبة حركاتهم وسكناتهم في النور وفي
العتمة معاً , ومن ثَمَّ الاستماع إلى تهجّيهم ونطقهم حين يؤدّون مشهداً مأساتيّاً
أوملهاتيّاً , وهذا لا يعني القفز من فوق أهمّ عنصر في المسرح وهو قراءة و مشاهدة
المسرح العالميّ ونظرياته حولَ فنّ الممثل و تعاليم ستانسلافسكي وتلقّي وتشرّب ذاك
الفنّ وتلك التعاليم .
تعلمون أنّ ما أقوله يحتاجُ إلى شهور بل إلى سنوات موّارة
بالحياة المسرحية , أي أنْ نجعلَ حياتنا مسرحاً وأنْ نتحرّك ونتحدّث ونهتاج ونصرخ
بإبداع مسرحيّ وكأننا نمثّل أوكأننا على خشبة المسرح حتى يغزو المسرحُ عقولنا ونفوسنا
إلى درجةٍ نصلُ فيها : ( أنا المسرحُ ) , جواباً على سؤال يباغتُنا: ( مَنْ أنت )
؟.
تلك بعضُ ما أجدُه ليتأسّسَ لدينا مسرحٌ ناضج أو حياةٌ
ينبضُ فيها المسرحُ , أنْ نقولَ نظريّاً ولِمَنْ يجد في نفسه الكفاءة ليطبّقه
عملياً , صحيحٌ أنّ ما سقتُه صعبٌ لكن صحيح أيضاً أنّ المسرحَ لا يأتي من الفراغ
أو من الطفرة , وكذا أي فنّ يأتي ليغيّرَالحياة , فكلُّ جديد غريب , وهذا الغريبُ
سيصبحُ مألوفاً يعانقُ تفاصيلَ حياتنا إذا رحّبنا به ومنحناه الأهميّة التي يستحقُّها
, أقولُ هذا الكلامَ لأني كنتُ على تماسّ مع بعض تدريبات الفرق المسرحية ومشاهدة (
المسرح النوروزيّ) تلك التي تشكّلت ومُثّلتْ على عجل , فلم أجد إلا ترسيخَ و تأكيدَ
ما قلتُه .
فهل ننتظرغودو ؟
وبما أنني الشاعرُ في المسرح , فها أنا في حركةٍ مسرحيّة
أضعُ يديّ فوقَ عينيّ صارخاً لئلا أرى مدينتي دون مسرح .
عمتُم مسرحاً .
alhusseini66@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق