مدوّنة الكاتب الكرديّ : عبداللطيف الحسيني .

الاثنين، 4 أبريل 2011

الجمال بين الفتنة والصناعة

                                     هل هناك معايير كونية للجمال؟ ألا يختلف الجمال عبر العصور والثقافات؟ وهل يمكن أن نحدد مفهوما ثابتا للجمال؟  كيف ينظر الفن والثقافة والمجتمع إلى الجمال؟ ألا يخلق الجمال نوعا من اللامساواة بين ا...لعلاقات الإنسانية والعلاقات العاطفية؟ الجمال الجائر يفترض الجمال ميزة خاصة للأشخاص الذي يستحوذون على هذه الملكة، فهو بمثابة صك العبور للعديد من المجالات، ويبدأ التفريق من المدرسة، فالأشخاص القبيحون يصنفون في درجة أسفل ويتم نبذهم من الأمكنة الأولى التي تميزهم، ويمر ذلك إلى سوق الشغل، فالجمال يصبح معيارا أساسيا للعديد من الوظائف التي تفترض الجمال مثل مضيفة طيران، سكرتيرة، بائعة مواد تجميل، أو حتى بالنسبة للشركات، فالأولوية غالبا ما تعطى للجميل أولا، وقد جسدت الأمثال الشعبية في ثقافتنا هذا الهاجس، بحيث يتم استثناء الجميل وجعله في مرتبة أعلى من غير الجميل، ولذا يقال"الزين حبوا مولانا حتى لو كان في دربالة"، ثم يقال"لا زين لا مجي بكري"، فهذا المثل الأخير يحدد أن الجميل يمكن أن يصفح عن التأخير، وغير الجميل لا يحق له التأخر، لأنه لا يمتلك وساطة الجمال، ولذا يعد الجمال منذ البداية نوعا من التفرقة بين الأشخاص، فهو ينبذ الأشخاص الذين لا يتوفرون على الجمال اجتماعيا، وقد يصل الجميل إلى أن يكون قاسيا في العشق، فهو يميز في المدح  ويوضع في مرتبة تخول له الظلم أحيانا، وقد نجد هذا التعبير في إحدى قصائد إبراهيم ناجي، التي غنتها أم كلثوم، يقول: "واثق الخطوة يمشي ملكا، ظالم الحسن، شهي الكبرياء"، فالجميل يصبح معيارا للظلم والقسوة، لأنه يمتلك عالمه الذي يميزه عن الآخرين. ولكن هل للجمال معايير ثابثة عبر العصور؟ هل ينظر إليه بنفس الصورة، بنفس التشكيل؟ الجمال غير ثابت يتغير الجمال من فترة لأخرى، ولكن الثابت هو أن الإنسان كان على الدوام مهووسا بالجمال، رغم أنه في العصر الوسيط تم التفكير في الجمال على أنه نتاج إلهي، إذ أن كل الكائنات مخلوقات إلهية، إلا أنه على الدوام كانت هناك رغبة في الجمال، خاصة الجمال الجسدي للمرأة وذلك لكونه يثير الغرائز الجسدية، حتى لو طرح إشكالا على الأخلاق، وبالرغم من الأزمات الاقتصادية والسياسية التي سيمر منها العالم والتي ستجعل التفكير في الجمال في مرتبة أقل، نجد في المقابل بحثا عن الجمال من منظور آخر، كأن يتم البحث عن الجمال في قلب الرعب من خلال الفنانين والنحاتين، ويتم تجسيده بأشكال مختلفة، ويمكن القول إن القرن التاسع عشر عرف يقظة الوعي العمالي والصراع الطبقي مما جعل التفكير في الجمال يتم بشكل آخر، إذ أصبح مداهما من أشكال أخرى تهدد وجوده داخل الأفراد مثل المرض والموت والشيخوخة. الجسد المستقيم يرى الباحث جورج فيكاغيلو أن تمظهرات الجسد تطورت عبر التاريخ، فالطريقة التي أعيد بها تشكيله، أو الاعتناء به، إو إظهاره أو السعادة من خلاله، قد تغيرت حسب السياق الاجتماعي والثقافي، فالجسد المستقيم كان مدار اهتمام العصر الوسيط، إذ يعمل المربون والمدرسون على تعليم الجسد المستقيم، وذلك لأنه معيار للجمال، ويمكن أن نجد لذلك وجودا في الكثير من الثقافات، ففي ثقافتنا الشعبية يتم التغني "بقطيب الخيزران"، دلالة على استقامة الجسد وعدم ترهله، كما نجد عند محمود درويش هذا التصور حين يصف المرأة بأن لها "وقفة شمعدان"، أي أن الأجساد الأخرى لا تحتل نفس المكانة، ونجد هذا النوع من القسوة على الجسد الأنثوي بشكل خاص في الأوساط البورجوازية حيث يتم حصر جسد الفتاة حتى يظهر في تجلياته المستقيمة، إلا أنه في عصر النهضة تغيرت هذه المفاهيم إذ بدأ الحديث عن أوضاع الجسد الذي ينبغي للفتاة أن تتخذه كشكل يعبر عن الأخلاق، ويمكن أن نجد في ثقافتنا المحلية نفس التصور في نوعية جلوس الفتاة، ونوعية ضم الركبتين، إلى غيرها من الأوضاع التي تحددها المنظومة الثقافية للجسد وأوضاعه، غير أن تحرر الجسد من هذه الأشكال سرعان ما غير من هذه النظرة. الجمال والأخلاق تبدو الثقافة الشعبية غنية بالعديد من التصورات حول الجمال، فهي من ناحية أولى تقدس الجمال وتعتبره الواسطة الوحيدة للزواج وللوضع الاجتماعي، مثل: "ولد بنتك زوينة، أما الحداكة تتعلمها تتعلمها"، وهي من ناحية أخرى تقصي هذا الجمال حين يتعارض مع الأخلاق، ولذا نجد عبد الرحمن المجذوب يقول: لا يعجبك نوار الدفلى        في الواد داير ضلايل لا يعجبك زين طفلة          حتى تشوف الفعايل ويروى عن النبي(ص) قال:" إياكم وخضراء الدمن فقيل وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في منبت السوء".   الجمال والبشاعة يتموضع الجمال كنقيض للبشاعة أو القبح، ويتجلى ذلك من خلال المظهر الفيزيائي، وقد لا نجد الأدب يمجد البشاعة في كثير من الأحيان إلا نادرا، مثل قول الشاعر: عشقتها شمطاء شاب قرينها    والناس فيما يعشقون مذاهب فغالبا ما يتم وصف المرأة لجمالها، مثل قول الشاعر و هو يصور بكاء امرأة فأمطرت لؤلؤا من نرجس     فسقت وردا وعضت على العناب بالبرد فالجمال هو الصورة التي يستفيض الشاعر في تمجيدها، إذ لا نجد شاعرا يصف لنا بشاعة المعشوقة، فهي "بيضة الخدر" عند امرؤ القيس، وهي "بهكنة" أي امرأة بضة ومكتنزة عند طرفة بن العبد، وهي ذات فم "مرسوم كالعنقود" عند نزار قباني، أما البشاعة، فإنه في الحكايات الشعبية غالبا ما يتم تقديم الساحرة بأبشع الصور، فهي  امرأة ذميمة، شريرة، مسنة، بشعة، ولذا فإننا في المخيال الشعبي نسهم في تكوين هذه الصورة الجاهزة عن القبح، فالساحرة لا يمكن أن تكون امرأة جميلة. ويصبح هذا المفهوم معرقلا للعديد من التصورات عن القبح، فهو يرتبط بالشر والبشاعة، ولذا فغالبا ما يتم اختيار البطلة الجميلة التي تحقق نوعا من الجاذبية والغواية. إن البشاعة الفيزيائية معرقل كبير، ولكن الفن كما يقول إمبرطو إيكو له القدرة على تلطيف البشاعة، فهو يمكن أن يغير نظرة المجتمع عن البشاعة من خلال العديد من التصورات المغايرة، فالبشاعة الشكلية هي بشاعة لا تثير التقزز، لأنها تبقى على مستوى الشكل، ولذا قد نجد جسدا مقززا، ولكن له نظرة جميلة، وحانية وتعكس الداخل الإنساني، لأن البشاعة الخارجية يمكن أن تخفي جمالا أخلاقيا، ولذا فإن الأشباح والجن الذين قدمهم الفن بأبشع الصور، غير هذه النظرة إليهم من خلال تقديم أفلام مثل"فاوست" الذي قدم من خلاله جمال الجن، ولذا فإن الفن لم يعد يهتم بالجميل فقط، بل في أكثر الأحيان يقدم البشع في أجمل الصور، وذلك كما يقول إمبرطو إيكو، لأنه ليس هناك إمكانية محدودة للبشاعة، فهي لا نهائية فيما يخص الفن، أما بالنسبة للجمال فهو محدود ونهائي، ولذا فإن البشاعة تمنح إمكانيات أكبر بالنسبة للفن، وقد طور الفلاسفة هذه ا لفكرة حين اعتبروا أن الجمال هو الخير لأنه باق على الدوام، في حين يتعرض الجمال للمرض والسن والموت، فهو مهدد على الدوام بالانقراض. غير أن هناك عالم آخر يضاف إلى هذا التحديد وهو عالم السحر والفتنة وهو ما لا يحدده الجمال ولا البشاعة. الجمال والفتنة إن المنظور الشعبي المحلي يعكس أيضا هذا المفهوم، فهو يتصور الجمال شيئا ساحرا، وهو ما يتم تسميته بالدارجة المغربية "المسرار"، يقال:"نوض آلزين، فين نجلس أنا المسرار"، وهي دلالة على أن السحر والفتنة هي شيء آخر، غير التفاصيل الدقيقة للوجه، لأن الجمال لا يمكن حصره بمعايير حسابية مضبوطة، ولذا فإن العديد من الأشخاص غالبا ما يتم تذوقهم لأشخاص يبدون عاديين تماما، ولكنهم يرونهم غير ذلك، ويمكن أن نعطي مثالا بتمثال "موسى" لمايكل أنج، الذي أنتجت فيه التآويل العديدة والتي تعكس أن الجمال هو ذوق ذاتي قبل كل شيء، فالبعض يرى فيه لغزا سحريا غامضا، والبعض يرى فيه عذوبة والبعض آخر يرى فيه قسوة، وهذا يدل على أن معايير الجمال تحددها الأذواق الفردية، وهذا ما يفسر مثلا وجود عارضة الأزياء ناعومي كامبل التي تظهر كعارضة يراها الكثيرون على أنها امرأة جميلة في حين يراها آخرون على أنها امرأة سوداء، أو ما يفسر مثلا إعجاب الناس مثلا بممثل مثل جيرار دو بارديو والذي لا يتوفر على تقاطيع دقيقة أو محسوبة، ولكنه بنظر العديدين له فتنة خاصة، ونجد ذلك أيضا في الأغنية الشهيرة "يا المسرارة"، وهي دلالة على شيء أعمق من الجمال. ولكن هل هناك مقاييس كونية يلتقي فيها العديد من الأفراد ويجمعون على كونيتها في تحديد الجمال؟ الجمال والمقاييس الكونية ليس هناك معايير كونية لتحديد الجمال، ولكن من المتداول أن الأنف الصغير والعيون الكبيرة هي خصائص مرغوب فيها، كما أن الملامح الطفولية هي أجمل من التقاطيع التي يبدو عليها السن أو التجاعيد، كما أن تقدير الجمال عبر العصور والثقافات لم يقدم الأسنان المعوجة، ولا الوجه الذي يحمل بثورا، أو تجاعيد كأشكال جمالية، وقد عكس الفن الجمال عبر العصور من خلال تقديمه للسيدات السمينات والصغيرات في السن. غير أن الجمال يختلف حسب الثقافات أيضا، فالصينيات يتم الضغط على أقدامهن حتى تكون صغيرة الشكل، وفي المنطقة الصحراوية مثلا، تنتشر ظاهرة "التبلاح"، كجزء من التقاليد والعادات الموروثة، بحيث تحرص الجدات والأمهات بشكل خاص على تسمين الفتيات الصغيرات بمجرد بلوغهن سن ست سنوات، ويجبرن على تناول كميات كبيرة من المواد الغنية بالسكريات والذهنيات ذات السعرات الحرارية العالية. وهي أشكال وثقافات تتغير من بلد إلى آخر. ولكن ماذا عن الجمال والصناعة الاستهلاكية؟ الجمال والصناعة الجمال هو رأسمال الغواية، ولكن اليوم يتغير مفهوم الجمال ليصبح جمعا بين أذواق متعددة، فعشقي مثلا لأم كلثوم لا يلغي عشقي لمايكل جاكسون مثلا. فلم تعد هناك آلهة محددة، بل عوالم لانهائية. وبما أن العالم الاقتصادي قد نشر قوانينه الخاصة، فإن هناك صراعا من أجل الوصول إلى الجمال، فالجمال يمكن أن يصنع ويروج لأنه لم يعد ملك الفرد، بل ملك المجتمع، وبما أن الجمال يحمل الإثارة، فهو في حاجة إلى تصنيع وتلميع، لأنه أصبح استهلاكا، لأن جزءا من الابداع الفني أصبح سجين وسائل الإعلام، وفي العصر الذي تهيمن فيه الصورة والتغيرات التكنولوجية، فإن كل شيء يعاد تعديله، مثل الصورة الجميلة، التي يمكن أن تعدلها التقنيات الكثيرة المتاحة لتجملها للعين، ولذا فلا عجب أن نجد العديد من الأشخاص وخاصة النساء يلجأن إلى الجراحة التجميلية، وإلى البوتوكس، وإلى مستحضرات التجميل لمقاومة التجاعيد والسن، إلى غيرها، وتعد العديد من الأشكال الجمالية مثل الوشم، وثقب الأنف أو الأذن مرات عديدة، وهي كلها أشكال للتجميل الجسدي. وبالرغم من اهتمام النساء في العصور الماضية بأجسادهن فإن العصر الحديث خلق العديد من المواد المصنعة، للتجميل، حتى أنواع الرياضات التي تخفف من وزن الجسد، وتصوغ أجسادا جميلة للعين الرائية. نحن في حاجة للجمال، ولصناعته أيضا، ولكننا في حاجة إلى جمال آخر لا يموت مع الزمن، وهو الجمال الداخلي وهو ما لا تجسده الصورة. إنه الداخل بامتياز، وهو ما لا تلغيه حتى البشاعة الظاهرية التي يمكن أن تعكس جمالا لا يموت  
- لطيفة لبصير - كاتبة وباحثة مغربيّة . 

ليست هناك تعليقات: