مدوّنة الكاتب الكرديّ : عبداللطيف الحسيني .

الأربعاء، 8 أغسطس 2012

امرأة تحمل رائحة البيّاضة .


كنتَ تعرفُُها, إنها هي التي سقتك ماءً مثلجاً حين طرقتَ بابها قبلَ عقدين في مدينة حمص وكنتَ تنزفُ عرقاً تموزيّاً , بل دعتك إلى بيتها حين عرفتك غريباً : (غريب الوجه واليد واللسان), وها هي المرأةُ نفسُها تطرق بابكَ وابنُها خلفها يجرجرُ انكسارات مدينة حمص كلها , هي امرأة المعنى وصورةُ الانتهاك والفقر و المجاعة ولوعة الغياب : غياب الزوج و الأخ والأب والجار.ماذا ستقدّم لها وهي التي سقتك زمزماً فيّاضاً وكنتَ بحاجة إلى قطرة ماء (ولو مسمومة)؟
لم تسألْها عن مدينتها , وماذا تفعل هنا في هذا الشمال الشرقيّ البائس والمطعون ؟ ولم تسألها عمّا وعمّنْ أتى بها إلى شمالنا الآمن والمغيّب ؟
تعرفُ تفاصيل تلك المرأة مجازاً وحاضراً وسابقاً , وتعرفُ (فتحة حمص) حين تهبُّ صيفاً وشتاءً ومشاوير الفتيات والنسوة المرحات في شوارع مشجّرة وحدائق غنّاء , هذا ما تعرفُه عن هذه المرأة التي تحمل رائحة مدينتها , وكان يجب أنْ تكون في نفس الشارع و الشجروالحديقة في هذا الوقت بالذات .
لكنْ مَنْ سيعيدُها إلى مهبط روحها ؟ و مَنْ سيعيدُ شهداءها : الزوج والأخ و الأب والجار ؟.
المرأةُ – السوادُ تطرقُ باباً خشبيّاً منهاراً ... فمحلّاً خاوياً ...فشارعاً مزدحماً بالفراغ ...فمدينةً غادرتْها الأرواحُ .
هل تقبلُ امرأةُ السواد منكَ : مرحباً بكِ يا مَنْ دخلتِ ذليلةً , فأقيمي بيننا كريمة المعشر , طيّبة رائحة الشهداء وهي تفورُ من يديك ؟
........
سألتُ الصبيّ الذي يرافقها وهو مهلهلُ الثياب والملامح والروح : من أين أنت ؟ أجابني متقطّعاً ومشتاقاً : ح – م – ص – البياضة . لا أملك يا أيّها الصبيّ النقيّ ويا أمَّه إلا أنْ نقول : فيا ويلتاه علينا يا امرأة أتتنا : غريبة الوجه واليد واللسان .
 

الاثنين، 6 أغسطس 2012

الضجيج .


 الضجيج .

كلٌّ بطريقتِه وعلى طريقتِه ينضحُ بما فيه ويُظهرُ قيحَه وصديدَه وعقمَ سنواته وعقوده التي تراكمَ فوقََها أسخفُ لونٍ وأشرسُه على وجه البسيطة السمح والمبتهج والضحوك , أستدركُ لأعيدَ بالسبب إلى سنوات القحط والمجاعة الفكريّة والسياسيّة , اليساريُّ – مثالا – يتحدّث ويطبّق متبجّحاً كلَّ أفكار اليمينيّ بدرايةٍ منه أو بدونها , واليمينيُّ الذي تفوحُ منه روائحُ الاشمئزاز والعفونة يبتسم في وجه كلّ مُصادِفٍ , وكأنّ شيئاً لم يكن !, والآخرُ الذي يسمعُه يصدّقُ بسمتَه المطعونة وروائحَه الفاجرة, وربّما يتبرّك بتلك الروائح التي أُشبّهُها مؤقّتاً بجثة خنزير أتتْ عليها كلُّ ديدان النفايات .
فيا مرحباً بهذا الضجيج !, مرحباً به , فقط لأنّه أزالَ جميعَ الأقنعة , خصوصاً تلك الأقنعة التي سرقتْ واستفادتْ وانتفعتْ ومارستْ كلّ أنواع الموبقات , لا الدينيّة(التي لا تعنيني) بل الفكريّة والثقافيّة والاجتماعيّة , نفسُ الأقنعة وجدتْ في هذا الفَلَتَان ضالّتَها , فما عليها إلا أنْ تضربَ أخماسَ الربح الماديّ بأسداسه أو مِئَاته بآلافه دونَ أنْ يردعَه شيءٌ , اسمُه الضميرُ المرُّ – المريضُ أو ينتقدَه ضميرُ أحدٍ ما من زملائه الذين تمَّ تبادلُ عسل ابتذال الكلمات بصفاقةٍ فيما بينهم دونَ أنْ يحسَّ ماءُ حياء الوجه , هذا إذا كانَ ثمة ماءٌ أو حياءٌ في الوجه !
لا أقراُ في هذا الضجيج ,ولا أتساءلَ مثل المعرّيّ
: (ما الصحيحُ) ؟
  لا أقرأُ في هذا الضجيج إلا داءً نفسيّاً لا يمكنُ معالجتُه أو تمكينُ حلول له إلا بعدَ أنْ يغرقَ ويجرف الجميع ويذوّب جمع الجموع في ركبه العفِن الفيّاض , لأنّنا عطّلنا نبيّ العقل وجوهره ورميناه إلى أبعد ركنٍ مهمَل وكأنّه ألدُّ الأعداء , وعوّضناه بالمظاهروالشهوات والشطحات.
حينها – انتبهوا من فضلكم – حينها سنعضُّ على أصابعنا ندماً حينَ لا ينفعُ ندمٌ مؤجّلٌ , أواعتذارٌ معجّل .
حاملُ الأمانة :عبداللطيف الحسيني .